سورة القيامة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القيامة)


        


{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)}
قال قتادة والكلبي ومقاتل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي جهل. ثم قال: {أولى لَكَ فأولى} توعده، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً، وإني لأعز أهل هذا الوادي، ثم انسل ذاهباً، فأنزل الله تعالى كما قال له الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى قوله: {أولى لَكَ} بمعنى ويل لك، وهو دعاء عليه، بأن يليه ما يكرهه، قال القاضي: المعنى بعد ذلك، فبعداً (لك) في أمر دنياك، وبعداً لك، في أمر أخراك، وقال آخرون: المعنى الويل لك مرة بعد ذلك، وقال القفال: هذا يحتمل وجوهاً أحدها: أنه وعيد مبتدأ من الله للكافرين والثاني: أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك والثالث: أن يكون ذلك أمراً من الله لنبيه، بأن يقولها لعدو الله، فيكون المعنى {ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى} [القيامة: 33] فقل له: يا محمد: {أولى لَكَ فأولى} أي احذر، فقد قرب منك مالا قبل لك به من المكروه.


{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}
أي مهملاً لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة، والسدى في اللغة المهمل يقال: أسديت إبلي إسداء أهملتها.
واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة، قوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة: 3] أعاد في آخر السورة ذلك، وذكر في صحة البعث والقيامة دليلين الأول: قوله: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] ونظيره قوله: {إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى} [طه: 15] وقوله: {أَمْ نَجْعَلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار} [ص: 28] وتقريره أن إعطاء القدرة والآلة والعقل بدون التكليف والأمر بالطاعة والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضياً بقبائح الأفعال، وذلك لا يليق بحكمته، فإذاً لابد من التكليف والتكليف لا يحسن ولا يليق بالكريم الرحيم إلا إذا كان هناك دار الثواب والبعث والقيامة.
الدليل الثاني: على صحة القول بالحشر الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة، وهو المراد من قوله تعالى.


{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: النطفة هي الماء القليل وجمعها نطاف ونطف، يقول: ألم يك ماء قليلاً في صلب الرجل وترائب المرأة؟ وقوله: {مّن مَّنِىّ يمنى} أي يصب في الرحم، وذكرنا الكلام في يمنى عند قوله: {مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} [النجم: 46] وقوله: {أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58] فإن قيل: ما الفائدة في يمنى في قوله: {مّن مَّنِىّ يمنى}؟ قلنا: فيه إشارة إلى حقارة حاله، كأنه قيل: إنه مخلوق من المني الذي جرى على مخرج النجاسة، فلا يليق بمثل هذا الشيء أن يتمرد عن طاعة الله تعالى إلا أنه عبر عن هذا المعنى، على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} [المائدة: 75] والمراد منه قضاء الحاجة.
المسألة الثانية: في يمنى في هذه السورة قراءتان التاء والياء، فالتاء للنطفة، على تقدير ألم يك نطفة تمنى من المني، والياء للمني من مني يمنى، أي يقدر خلق الإنسان منه.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10